التاريخ يبدأ في سومر
لم
ينفكّ العالم يناقش مسألة أقدم الحضارات في تاريخ الإنسانيّة، وقد حاولت كل حضارة
عريقة تقديم نفسها على أنّها "مهد الحضارات"، و كان للمشاعر الوطنيّة
ولا تزال الدور في أن يحاول البعض تقديم حضارته على أنّها الأقدم والأكثر تأثيرا
في تاريخ البشر. طوال قرون قدّم الأوروبيّون
حضارة الإغريق على أنّها مهد الحضارة وبأنّ إسهاماتها هي الأرقى والأفضل، وكذلك فعل الصينيّون القدماء وأبناء حضارة وادي الهندوس، ولكنّ الصراع الأشد كان بين حضارتي وادي النيل وما بين النهرين. لا يمكن القول بأنّه من الممكن الجزم أيّ الحضارات هي الأقدم، خصوصا وأنّ حضارتنا الإنسانيّة هي وليدة تعاون كل تلك الحضارات القديمة وتفاعلها وتناقل الخبرات والإكتشافات فيما بينها عبر التاريخ. فالحضارة تمثّل مشروع بناء عالمي تساهم كل الشعوب – وإن بمقادير متفاوتة تتغيّر عبر الحقب المختلفة – في إكماله وتطويره، ولكن وبناءا على الدلائل الأثريّة يمكن معرفة أول الشعوب المتمدّنة وتقيّيم إسهاماتها في نقل الإنسان من حياته البدائيّة إلى حياة أخرى أكثر تطوّرا وبالتالي إعتبارها الموطن الأوّل للحضارة البشريّة، وحتّى ذلك يبقى أمرأ قابلا للتغيّير بتجدّد الإكتشافات ومرور الزمن.
حضارة الإغريق على أنّها مهد الحضارة وبأنّ إسهاماتها هي الأرقى والأفضل، وكذلك فعل الصينيّون القدماء وأبناء حضارة وادي الهندوس، ولكنّ الصراع الأشد كان بين حضارتي وادي النيل وما بين النهرين. لا يمكن القول بأنّه من الممكن الجزم أيّ الحضارات هي الأقدم، خصوصا وأنّ حضارتنا الإنسانيّة هي وليدة تعاون كل تلك الحضارات القديمة وتفاعلها وتناقل الخبرات والإكتشافات فيما بينها عبر التاريخ. فالحضارة تمثّل مشروع بناء عالمي تساهم كل الشعوب – وإن بمقادير متفاوتة تتغيّر عبر الحقب المختلفة – في إكماله وتطويره، ولكن وبناءا على الدلائل الأثريّة يمكن معرفة أول الشعوب المتمدّنة وتقيّيم إسهاماتها في نقل الإنسان من حياته البدائيّة إلى حياة أخرى أكثر تطوّرا وبالتالي إعتبارها الموطن الأوّل للحضارة البشريّة، وحتّى ذلك يبقى أمرأ قابلا للتغيّير بتجدّد الإكتشافات ومرور الزمن.
قد
لا نتخيّل بأنّ شعبا من الشعوب قد يختفي يوما ما ويطوي ثقافته النسيان، لكنّها
الحقيقة، فقد لا يختفي الإنسان ولكنّ ثقافته عرضة للإندثار وبالتالي قد يطوي
النسيان إسم شعبٍ من الشعوب ليعاد إكتشافه من جديد بعد آلاف السنين، وهذا ما حصل
مع السومريّين، سكّان جنوب العراق منذ ما يقارب 5500-6000 عام مضت، إحد أقدم الشعوب
المتمدّنة في العالم، فقد طوى النسيان إسم هذا الشعب بعد أن إنصهر مع الأكديّين
الساميّين والموجات اللاحقة من الشعوب التي إستوطنت المنطقة، إلاّ أنّ التاريخ كان
أكثر إنصافا من الزمن وأبى إلاّ أن يعيد للسومريّين إعتبارهم من جديد ويسطّر إسمهم
بماء الذهب على صفحاته. ففي منتصف القرن التاسع عشر إكتشف العلماء من بين جملة
النصوص المسماريّة القادمة من بلاد "بابل وآشور" لغة جديدة غير ساميّة أثارت
شكوكهم في كونها تنتمي إلى شعب آخر مجهول، وتوالت الإكتشافات ليظهر إسم "سومر
وأكد" ويعود السومريّون إلى الحياة من جديد ويدرك العالم ما قام به ذلك الشعب
العريق في بناء لبنات الحضارة الإنسانيّة.
ما
أن توالت التنقيبات الأثريّة في مواقع جنوب العراق حتّى إتّضح للعالم بأنّ السومريّين
قد عاشوا في مجتمع متمدّن، وبأنّه كانت لهم الأسبقيّة في بناء المدن كأريدو وأور
ولكش ونيبور وغيرها، وبأنّهم قد إمتلكوا نظاما سياسيّا متطوّرا ونظّموا شؤون
حياتهم بقوانين ومسلاّت هي الأقدم في التاريخ كمسلّة الملك أورنمّو 2047-2030 ق.م.
والتي عالجت المسائل القانونيّة بإسلوب يمزج بين العدل والرأفة، وفي بلاد سومر
تميّزت الملكيّة الخاصّة لأوّل مرّة، فقد عثر علماء الآثار على آلاف الرقم
الطينيّة التي تدوّن معاملات تجاريّة وعقود بيع وشراء وقوائم بكل ما يرد المعابد
من محاصيل زراعيّة وحيوانيّة وغيرها بحيث كان من الملائم إطلاق تسميّة
"البيروقراطيّة الأولى" على سلالة أور الثالثة بسبب تدوينهم لأدقّ
التفاصيل على عشرات الآلاف من الألواح التي عثر عليها الآثاريّون في موقع مدينة
"كيرسو" القديمة جنوب العراق.
كان
السومريّون مجتمعا زراعيّا يعشق الأرض ويقدّس عناصر الطبيعة ولكنّهم لم يستسلموا
للظروف البيئيّة الصعبة والفيضانات التي تضرب العراق في فصل الربيع بشكل يضر
بالمزارعين ويعرّضهم لخسارة محاصيلهم، بالإضافة إلى موسم الجفاف
"الصيهود" صيفا، لهذا قام
السومريّون بتنظيم مواردهم المائيّة وإنشاء نظام ري متطوّر حوّل أهوار جنوب العراق
إلى فردوس أرضي أو جنّة عدن وهي الكلمة السومريّة "إيدينو" التي
تناقلتها الثقافات الأخرى عنهم. مكّن النظام الإروائي والزراعي السومريّين من أن
ينتجوا الحنطة والشعير بكميّات كبيرة فقاموا بتصديرها إلى شعوب الدول المجاورة،
وقد أجبرهم هذا على تطوير صناعة الفخار لتوفير أوعية لنقل المحاصيل وبأعداد كبيرة فأصبحت سومر محط
أنظار كل دول الجوار لثراءها ورخاءها الغير معهودين. كان كل سومري يحمل معه ختما
إسطوانيّا يعلّقه في رقبته على شكل قلادة، وقد نقشت على سطح تلك الأختام موضوعات
إسطوريّة تصوّر أبطالا يصارعون الحيوانات ومشاهد دينية وإجتماعيّة كثيرة، لتكون
بمثابة علامة تجاريّة تختم بها أغطية الأوعية الفخاريّة عند التصدير أو توريدها
إلى المعابد، بالإضافة إلى إستعمالها كختم شخصي عند إجراء العقود القانونيّة
وغيرها من تعاملات الحياة اليوميّة. أدّى ذلك إلى تطوّر فن دقيق وجميل زوّدنا
بالكثير من المعلومات عن الحياة اليوميّة لذلك الشعب العريق. إنّ قيام السومريّين
بتصدير فائض إنتاجهم الزراعي جعل منهم تجّارا من الطراز الأوّل في الوقت ذاته،
فبعد أن يقوموا بتصدير المحاصيل الزراعيّة والحيوانيّة والصوف، كان التجّار
السومريّون يجلبون إلى بلاد سومر الذهب من الأناضول "تركيا الحاليّة"
واللازورد من أفغانستان وإيران والنحاس من عُمان لتستعمل كل هذه المعادن والأحجار
الكريمة في صناعة الحلي الذهبيّة والمجوهرات والأختام الإسطوانيّة وغيرها من مظاهر
البذخ التي تجلّت بوضوح أبهر العالم في مقابر أور الملكيّة التي عثر عليها عالم
الآثار البريطاني ليونارد وولي ليكشف عن أسرار مجتمع متمدّن يحبّ الحياة ويتغنّى
بها، فقد عثر علماء الآثار في تلك المقابر على عشرات القلائد والحلي من الذهب
والعقيق واللازورد وأدوات التجميل كالملاقط وأدوات العناية بالأظافر ومستحضرات
تجميل للنساء وحافظات كحل، بالإضافة إلى
الكؤوس الذهبيّة والخوذ والأسلحة الذهبيّة وصولجانات وقيثارات من الذهب والفضّة
وقطع تزيّن عربات يجرّها الحمير وأختام إسطوانيّة من أحجار كريمة زيّنت بمشاهد
أسطوريّة أخّاذة، بالإضافة إلى لوح لعبة شهيرة تعرف الآن بإسم "لعبة أور
الملكيّة" فقد كان السومريّون يقضون أوقات فراغهم، وبعد يوم عمل شاق ومنظّم
وجاد، في اللعب والإستماع للموسيقى وأنغام القيثارات العذبة وإحتساء البيرة – ذلك
الإختراع السومري الأصيل – في كؤوس ذهبيّة، لقد كشف كل هذا عن مجتمع غاية في
التمدّن في تلك العصور الغابرة يحب الحياة ويتغّنّى بها وينشد السلام ولكنّه في
الوقت ذاته مستعد للدفاع عن نفسه ضدّ الغزاة الطامعين من حوله.
ولمّا
كانت بلاد سومر غنيّة بالمياه المتمثّلة بنهريها دجلة والفرات وأهوارها الغنّاء
فقد إستعمل السومريون في تنقّلاتهم اليوميّة القوارب الرفيعة لتشقّ طريقها بسهولة
في القنوات وغابات القصب في الأهوار، وقد عثر علماء الآثار على أختام إسطوانيّة
تصوّر تلك القوارب، بالإضافة إلى نماذج من الفخار والفضّة لذات القوارب في مقابر
أور الملكيّة. لقد كانت تلك القوارب تحرّك بواسطة عصا طويلة تستعمل لدفع القارب في
الأهوار ذات المياه الضحلة، ولا تزال هذه القوارب "المشحوف" تستعمل في
أهوار العراق بنفس التصميم والتقنيّة تماما حتّى يومنا هذا. لكنّ السومريّين لم
يكتفوا بهذا النوع من القوارب فحسب، بل كانت لهم سفن من القصب إستعملوها في
التجارة مع دلمون "البحرين الحاليّة" وبعض أقطار الخليج وربّما سواحل
الهند، وقد بذل العالم النرويجي ثور هايردال جهودا لإثبات الصلات التجاريّة بين
بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي الهندوس عندما قام ببناء قارب من القصب أسماه
"دجلة" في أواخر سبعينيات القرن الماضي. لكنّ المياه التي تشكّل عصب
الحياة لأي حضارة إنسانيّة لم تكن الوسط الوحيد الذي إستعمله السومريّون في
تنقّلاتهم، فقد كان للسومريّين الفضل في إختراع العجلة وبالتالي كانت لهم عربات
بأربع عجلات إستخدموها في الحرب والسلم كما يظهر من منحوتة راية أور المزيّنة
بالصدف واللازورد والقار والتي عثر عليها في مقابر أور الملكيّة حوالي 2600 ق.م. بالإضافة
إلى منحوتة من البرونز لعربة تجرّها أربعة حمير. ولنا أن نتخيّل الخدمات التي
قدّمتها العجلة في تسهيل حياة بني البشر وتطوّرها فهي تدخل في العتلات والسيارات
والساعات وحتّى أعقد آلات المصانع وأحدثها، إنّها العجلة التي تسيّر حياتنا بكل
تفاصيلها، وقد كانت أيضا من إبداعات العقل السومري الجمّة.
لقد
قدّم السومريّون الكثير للحضارة الإنسانيّة ولكنّ أكبر مآثرهم وأهمّها على الإطلاق
والتي كانت ستكفي لجعلهم الحضارة الأعرق – لو كانت لوحدها كل ما قدّموه – هي
إختراعهم للكتابة، ففي بلاد سومر كتب الإنسان لأوّل مرّة على ألواح الطين
وبإستعمال قلم من القصب، كانت الكتابة صوريّة في البداية، تعتمد رسم صورة مبسّطة
لما يريد الشخص التعبير عنه ومن ثمّ تطوّرت بمرور الزمن لتأخذ أشكال أكثر تجرّدا
تشبه المسامير لتعرف بالكتابة المسماريّة. يتّفق الباحثون على أنّ الكتابة الأقدم
من إنجازات السومريّين في حدود 3200 ق.م. وهي تسبق الكتابة الهيروغليفيّة في مصر
وغيرها من نصوص مكتوبة حول العالم. لنا أن نتخيّل اليوم دور الكتابة في التواصل
وفي حفظ التراث الإنساني من الضياع وكيف انّها وفّرت على الشعوب العودة إلى نقطة
البدء كلّ مرّة ومع كل جيل وإعادة إكتشاف ما تمّ إكتشافه سابقا، فبفضل الكتابة تمّ
حفظ التراث الأدبي والعلمي للشعوب، بل وبفضلها تعرّفنا إلى تاريخ تلك الشعوب
الغابرة وتمكّنا من تكوين صورة عن حياتهم ومعتقداتهم وآدابهم وما واجهوه من أحداث
مهمّة وما عايشوه من حروب وما قدّموه من إنجازات، ولهذا يعتبر السومريّون بحق
الشعب الذي أدخلنا إلى العصور التاريخيّة منهيا بذلك عصور ما قبل التاريخ والتي
تسبق إختراع الكتابة. لكنّ السومريّين أبوا إلاّ أن يدوّنوا إسمهم مرّات عدّة في
قاموس الأوائل فكانوا وبفضل نظامهم الكتابة أوّل من قدّم لنا الشعر والأدب
والأساطير فكانت ملحمة كلكامش – ملك أوروك – أوّل ملحمة شعريّة في العالم تسبق
ملاحم الإلياذة الإغريقيّة والإنياذة الرومانيّة بآلاف السنين، وقد كانت هي الأخرى
إحتفاءا بالحياة وتمجيدا لها، كما وصلتنا آلاف النصوص الأدبيّة والقانونيّة
والدينيّة والسحريّة والعلميّة ومنها أقدم قصيدة حب في العالم كتبت باللغة
السومريّة لتضاف إلى سلسلة مآثر شعب سومر الذي يستحق فعلا لقب أوّل الشعوب
المتمدّنة، فقد كان السومريّون مسالمين وتعايشوا مع الأكديّين في إخاء ولم يكونوا
ميّالين لتجسيد حروبهم إلاّ ما ندر.
وبعد
أن تعرّفنا إلى أهم إنجازات الشعب السومري في الحضارة الإنسانيّة لا يمكننا إلاّ
أن نتّفق مع عالم الآثار الشهير صموئيل نوح كريمر الذي قال عن السومريّين "لم
يسهم شعب ما في بناء الحضارة الإنسانيّة أكثر ممّا أسهم به السومريّون."
وبذلك يمكننا حقّا أن نقول بأنّه كان موفّقا في إختيار إسم أحد أهم كتبه
"التاريخ يبدأ في سومر" فبإختراعهم للكتابة دخلنا العصور التاريخيّة
وكانوا حقّا شعبا يأبى أن ينسى ويصر على البقاء والخلود.
الحضارة النهرينية كانت بداياتها في شمال - العراق اشور المحتلة و ليس في جنوب العراق
ردحذففي البداية بدأت كا اقدم مجموعة بشرية عثر عليها في اشور المحتلة ما يسمى ( شمال العراق )
هي في كهف شنيدار تعود الى اكثر من خمس و أربعون الف سنة مضت حيث عثر فيها على هياكل بشرية بأشكال مختلفة , و كان الشعب النهريني في بدايته يعتمد على التقويم القمري قبل التقويم الشمسي لسهولته و كان التقويم القمري يسمة أرخو من إرخة الكلمة الاشورية و منها جائت تسمية تاريخ ............