موعد مع الليل
ايلاف القيسي
بغداد
هل حدث بأنك خرجت موعد مع الليل في ذكرى مغلفة بالخيبات ؟؟
أنا خرجت موعدا معه ..
هناك ذاكرة تملك جسداً ،ترافقك أينما ذهبت وكأنها ظلك ،وفي تواريخ معينة ترافقك حتى في ظلمتك ،حين تميل الشمس للغروب مخلفة وراءها الظلمة !
كضحكتك الشرقية ،التي لطالما اختفيت وراء الافق لمجرد سماعها،وكأنها ترنيمة تخصني وحدي، وأجدني امتطي حصان السعادة في مدينة الاحلام برفقة أرنب اليس ،الذي يلاحقني بدلا" من ملاحقته !
ضحكتك ياأنـس !!
ثمة امور في ذاكرتنا المرصعة بالتواريخ ،نحتفل بذكرى ميلادها المجيد ،لكن دون قالب حلوى و شموع ..نحتفل بها بكلمات نكتبها بالسعادة المفرطة ،وبانامل من ذهب ..ونرسلها احيانا عبر هواتفنا السخية،لكن ماأن تسقط الاقنعة ،ويأخذ كلً منا طريقهُ ،نتمنى لو أنها ذكرى من رصاص ،لكان باستطاعتنا مسحها دون عناء ...لكن !!
لكنها ذكريات تحتل ذاكرتنا ..ذكريات ماضينا الراحل والظاهر في حاضرنا المتعب كغصن متيبس في شجرة رمان .
ماذا لو كانت انثى ؟! لقتلتها ،لكنها ذاكرة بكل تفاصيلها واحداثها وتواريخها . اكرههُا واكره معها كل التواريخ المكتوبة على مقاعد اللقاءات الاولى ..والمدونة على ،سفن الرحيل في موانئ الحزن والخيبة !
واكره معها الفرح القادم بهيئة ظل معكوس على جدار الأمل ،فيتلاشى ماأن تغرب الشمس ..كما واكرهُك أنت !
أنت ياأنس !
هل ياترى اكره ؟؟
ام..ام صدق من قال لا احد يكره شخص احبه ذات قدر !.
ها أنا مازلتُ اسكن السرير لساعات متأخرة من صباح اليوم ،ملتحفة بلحاف من وجع ،مطرز بخيوط من الخيبة ،التي تضرب على جدار الذاكرة ،فتجعلني اصرخ ..اصرخ بصمت ،ومااصعبها صرخة الصمت !
انغمس في سريري مذ أن اشرقت الشمس ،وخبأت نفسها وراء السحب المحملة بالاحزان ،المتساقطة كحبات المطر على نوافذ يومنا ..من عادة السحب السير في السماء دون توقف ،ومن عادة الشمس أن تشرق بابتسامة ،لكن ماخطبها تخفي نفسها وراء السحب !؟ كما اخفي نفسي .محاولةً الهروب من هذا اليوم ،تارةٌ اتظاهر ببرودة الجو ،وتارةٌ اخرى اتظاهر بوجودى لوحدي في البيت .
عن أي برد اتحدث؟ وعن أي وحدة اتكلم ؟!
ماذا عن صوت والدتي التي تغني مع فيروز ،بصوت يسخر مني ،ومن تفاهة اعذاري ومن ذكرى اليوم .
اليوم الذي يعلن حربٌ علي ،وكأنه لم يكن رفيقي ذات يوم ! فمنذ صباحه كل شئ يراقص الحزن في اصبوحة ممطرة بالخيبات ،حتى أغنية فيروز التي تسمعها والدتي :
"اديش كان في ناس عل مفرء تنطر ناس ..وأنا باايام الصحو ماحدا نطرني.."
لم ينتظرني احد بموعد مسبق ،كما ولم أفعل أنا الاخرى منذ زمن ..لم اجرؤ !
منذ اخر موعد ..اتذكره ياانس ؟..حينها كنت أنتظرك في المكتبة ،اتخذت الطاولة الاخيرة مجلساً ،دون أن اعي بأنها اشارة النهاية !..حين أخرجت مسدسك الأسود ،لتصوب نحوي رصاصاتك الاخيرة ..
-أنس هل يجب ان افكر بأنها النهاية ؟
-ربما ( اجبتني دون أن تطالعني )
- اذا" ستتخلى عني كدمية لم تعد تعجبك !
-لا داعي بأن تحادثيني بهذه الطريقة ،فاأنا لم اعدك بشئ .
رصاصتك الاخيرة مازلت احتويها ،ولا يمكن اخراجها .
لم اعدك بشئ ..هل اضحك ؟ أم ابكي ؟ أم اصرخ ؟ أو امزقك كورقة لم اكتب بها كما اريد ؟ أم ..أم اهرب ؟
من ماذا اهرب ياانس؟
أمس أخذني الليل بموعد ،تزينت ،تعطرت ورفعت شعري كما أحب ..وهو كان بانتظاري في الساعة الثانية عشر،يرتدي معطفه الأسود ..ما أن حضرت ،أمسك بيدي واخذني لصالة السينما لحضور فلمً ،ادركت بعد حين أنه ماض من أخراج التواريخ ،وتأليف الصدف الخاطئة ،وبطولتنا نحن الاثنان !
جلس الليل في المقعد المجاور لي..رفع الصمت ستائره ،وبدأ الفيلم بعرض نفسه ،كان فيلماً حقيراً ،يعرض نفسه ببطء عند مشاهد تساقط مطر غيماتي المجهدة منها ...
-أنتِ شمسي .
-كيف؟!
-أعني بانك شمسي أنا ..
-اممم كيف (احاول الوصول لابعد نقطة من الوضوح)
-تخيلي الحياة دون شمس !..لاحياة ياشمسي..أنا كذلك لاحياة لي دونكِ .
ترسم ابتسامة على شفتيها البطلة .. تخرج الفراشات من كتبها.. وتتطاير من حولها..لتسكن جدران غرفتها..اغراضها تعزف الحانها الباريسية ..وسجلاتها تدون تاريخ اليوم عيدها ..وغرفتها تأخذ من يدها لتراقصها على انغام من وهم ..من وهم .
وأنا اشاهدها ..تلك البطلة الحمقاء ! ..سعيدة ..وأنا هناك ابكي ،لابل اجهش بالبكاء ،فارمي نفسي باحضان الليل ،لامسح دمعي الاسود بمعطفه ،يضع كفه على راسي ويمرر اصابعه من بين خصلات شعري ،لكنه لايتكلم هذا الليل الصامت !!
أخرج من صالة العرض ،برفقته ..فاتمشى بشوارعه المقفرة من البشر .الشوارع تعزف ،والاشجار تغني ..مد يديك لي من فوق حدائق هذا العالم .....ااااه أنا اصرخ ...اصرخ ..والصمت يضع اصابعه قي اذنيه ..ويهرب . يهرب ..وتهرب معه القطط هنا وهناك ..خائفة من مشهد الليل ..ومن حزني المتناثر ..والنوافذ تطالع مشهد الليل المثير !
لاتكف الاشجار عن الغناء ..ولا الشوارع عن العزف ..ابحث عني ..فانت وطني ..احتاجك ياوطني..احتاجك رجلا لايترك الخيبات تسكنني وطناً..عد الي واخبرني بانك انت وليس سواك رجلي . ..اصفعني كفا"..وايقظني من وهمي ..واهمس في اذني ..أحبك ياشمسي ..مازلت أحبك ياشمسي ....
واجدني صباحا" ،اسكن سريري ،ملتحفة" بخيبتي واصارع ذاكرتي ..واتسائل اين الليل مني ؟اريد أن ارمي نفسي باحضانه كي يمسح بكفه على شعري ..ويأخذني بعيدا" ..بعيدا" عن يومي المشؤوم ،اليوم الذي اعلن الحب تمرده علي ..حاربته باقوى اسلحتي ،الكبرياء،الغرور واللامبالاة ..وخبأت نفسي مرات ٍعدة في ملجأ النجاة .
فجأة سقطت ضحيةً من ضحاياه ..فاعلنت استسلامي له رافعة الراية البيضاء ..حين تخلت عني اسلحتي ..اخذني الحب اليك مقيدة اليدين ،ووضعني خلف قضبانك ..واوصاك ياانس ضعها في القلب والعينين...هاجمتني وجردتني من سعادتي ..والبستني الوهم دون أن أعي بأنه وهم ..خيلته ملبس الحرير!
فخذلتني وخذلت الحب وتركتني اصارع ذاكرتي وألمي خلف قضبانك .
يرن الهاتف فيخرجني رنين صوته من دوامتي ليضعني في دوامة جديدة ...
من المتصل ياترى ؟
هل أنت ؟ هل حقا" ستصفعني كفٌ كي توقضني من وهمي ؟!
ام من سريري وأخذه بيدي دون أن اطالع الشاشة لمعرفة من المتصل؟!
اكبس زر الرد ..
-الو (كل شئ من حولي يصمت ويردد اشششش ويضع اذنه بالقرب من الهاتف ليستمع معي)
-اهلاً شمس كيف حالك ؟(تعود الاشياء الى مكانها وتتمتم بتذمر ،وابقى أنا وحدي .
-اهلاً ست عبير بخير والحمدلله.
-هل انهيت القصة ؟
-اعتقد بأني سانهيها اليوم .
-حسنا" ساكون بانتظارها شمس الى اللقاء.
-الى اللقاء.
اكبس زر نهاية المكالمة ،كما واكبس معها نهاية الأمل وقصتي معك ياأنس
بأن تعيش أنت كما تريد لترضي غرورك..وأعيش أنا لأرثي نفسي كل ما مر تاريخ اليوم كغيمة عابرة في فضاء عمري .
يعيش انس حياته كما يجب..يتزوج..ينجب..تغازله السعادة كل يوم
ردحذفواما الشمس..تشرق كما عادتها دائما ربما بفؤاد من نار الخيبات لكنها تنشر الدفء و الحياة
بوح جميل :)