newsfeed

الثيران المجنحة الروح الحامية

علي التميمي 
باحث  في الاثار

الثيران المجنحة الروح الحامية



تمثل الكائنات المركبة النموذج الثاني للنحت البارز عند الاشوريين ، ان الكائنات المركبة هي كائنات اسطورية خرافية على شكل مخلوقات مركبة من اشكال بشرية وحيوانية لا مثيل لها في الطبيعة كان للخيال والافكار الدينية تأثير كبير في ابتكار اشكالها ، واشهرها الثيران المجنحة الهائلة الحجوم وذات الرؤوس البشرية المتوجة بتيجان الهة ذات قرون .
وقد اشتهر نحتها في العصر الاشوري واستخدمت بمثابة الملاك الحارس لمداخل القصور والعواصم الاشورية وجعل لها خمسة ارجل لمحاولة لخداع المنظور ولزيادة طاقتها الحركية واذا اخذنا بنظر الاعتبار وزنها الهائل الذي يصل الى اربعين طنا فأنها نحتت ببراعة كبيرة ووضعت تفاصيلها وتشريحها العضلي بدقة متناهية تثير الدهشة .

يكون الثور المجنح من راس انسان منه العقل وهو مصدر الحكمة في حين ان الجسم هو جسم الثور رمز القوة والفحولة ام الاجنحة هي اجنحة النسر رمز السرعة والتألق في السماء والارض ، يتميز ببصيرة ثاقبة ورؤية الفريسة من مسافات بعيدة وسرعة الانتفاض عليها للثور المجنح خمس ارجل وهي محاولة لخداع المنظور ومن اجل زيادة قوة الحركة فيها.

ومصطلح لاماسو ذات اصل سومري نشأت منه الكلمة الاكدية Lamassu او Lamassatu التي تعني ايضا الهة او الروح الحامية، ونلاحظ ان لاماسو غالبا ما تذكر في النصوص الاشورية من زمن الملك سنحاريب و اسرحدون وفي السومرية Lamma الروح الحامية القوية .

لقد كانت تلك الثيران الاشورية ذات اسلوب ( سومري ) وهي عبارة عن انتاجات على نطاق هائل لثيران صغيرة من جر السيتايت من لكش ( اضيفت اليها اجنحة ) وقد تكون هذه تماما مصدر رؤية ( حزقيال لمخلوقات مركبة لها اربعة مظاهر لأنسان واسد ونسر وثور يمضي كل واحد منها قدما ) . تمثل تلك الثيران الجان الخيرة عند الاشورين ومنها حماية القصور والبوابات من العفاريت والشرور القادمة من الاعداء والوقاية من الامراض والاوبئة

ان الثور المجنح اله حارس يقظ ، مخيف ورهيب ، يتعالى بكبريائه وهو تجسيد لهيبة السلطة الاشورية ولذلك فان الثيران المجنحة تبعث النشوة والبهجة والفرحة والامل والامان والسعادة والسلام للملك ، اذ ان القوة السحرية الموجودة فيه تلهمه بفعالية خارقة في رؤية الاشياء المضادة والمتمثلة بالقوى الشريرة ومطاردتها والقضاء عليها ، فان الثيران المجنحة تحيط بالملك بهالة قدسية وترفعه الى منزلة رفيعة معتقدا انها تمنحه قوة وحماية يفتقد اليها عدوه .

تمت معالجة الثيران المجنحة بالمنظر الجانبي باستثناء الراس فانه نحت مجسما كما ان النحات لم يحرر الثور المجنح من الخلفية لانه يؤدي وظيفة معمارية كاسناد الجدار .

ان تلك الثيران لم تكن تهدف الى غرض معماري تزيني فحسب وانما يمتلك قوة روحية تقوم باسناد جدران المدينة والقصور والبيوت ولولا تلك القوة الروحية لتعرضت المدينة وابنيتها الى خطر الاندثار والانهيار امام وجود الثور المجنح فيها يضفي عليها طابعا سماويا وهو الديمومة والخلود ، لان القوى الشريرة على الارض والارواح الشريرة لا تستطيع الهجوم عليها وبالتالي لا تتمكن من تدميرها ، كانت تغلف جدران المداخل من الجانبين من اجل توفير تكسية لحماية جدران اللبن الهشة .

ان الرمزية الموجودة في الثيران المجنحة تعطي انطباع جميل بان الفنان الاشوري تمكن بشكل مذهل من تاليف تلك الاشياء الواقعية ،اشكالا جديدة مركبة يعبر عن افكار هذا العصر .

ومن هنا يعتبر تلك الثيران المجنحة مجموعة من القوى الفكرية التي تعطي دلالة فكرية واحدة ، ومضمونها هو سياسي ، سحري – ديني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق